فصل: تفسير الآية رقم (103):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (103):

{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)}
{فَلَمَّا أَسْلَمَا} أي استسلما وانقادا لأمر الله تعالى فالفعل لازم أو سلم الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه على أنه متعد والمفعول محذوف.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس. وعبد الله. ومجاهد. والضحاك. وجعفر بن محمد. والأعمش. والثوري {سلاما} وخرجت على ما سمعت، ويجوز أن يكون المعنى فوضًا إليه تعالى في قضائه وقدره، وقرئ {استسلما} وأصل الأفعال الثلاثة سلم هذا لفلان إذا خلص له فإنه سلم من أن ينازع فيه {أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض، وأصل التل الرمي على التل وهو التراب المجتمع ثم عمم في كل صرع، والجبين أحد جانبي الجبهة وشذ جمعه على أجبن وقياسه في القلة أجبنة ككثيب وأكثبة وفي الكثرة جبنان وجبن ككثبان وكثب، واللام لبيان ما خر عليه كما في قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ} [الإسراء: 107] وقوله:
وخر صريعًا لليدين وللفم

وليست للتعدية، وقيل المراد كبه على وجهه وكان ذلك بإشارة منه. أخرج غير واحد عن مجاهد أنه قال لأبيه: لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني فلا تجهز علي اربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي للأرض ففعل فكان ما كان، ولا يخفى أن إرادة ذلك من الآية بعيد، نعم لا يبعد أن يكون الذبيح قال هذا.
وفي الآثار حكاية أقوال غير ذلك أيضًا، منها ما في خبر للسدي أنه قال لأبيه عليهما السلام: يا أبت اشدد رباطي حتى لا اضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فتراه أمي فتحزن وأسرع مر السكين على حلقي فيكون أهون للموت علي فإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني فأقبل عليه إبراهيم يقبله. وكل منهما يبكي، ومنها ما في حديث أخرجه أحمد. وجماعة عن ابن عباس أنه قال لأبيه وكان عليه قميص أبيض يا أبت ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره فاخلعه حتى تكفنني فيه فعالجه ليخلعه فكان ما قص الله عز وجل.
وكان ذلك عند الصخرة التي نى، وعن الحسن في الموضع المشرف على مسجد منى، وعن الضحاك في المنحر الذي ينحر فيه اليوم، وقيل كان ببيت المقدس وحكي ذلك عن كعب، وحكى الإمام مع هذا القول أنه كان بالشام.

.تفسير الآيات (104- 105):

{وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)}
{قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا} قيل ناداه من خلفه ملك من قبله تعالى بذلك، و{ءانٍ} مفسرة عنى أي وقرأ زيد بن علي قد صدقت بحذفها، وقرئ {صَدَّقْتَ} بالتخفيف، وقرأ فياض {الريا} بكسر الراء والإدغام، وتصديقه عليه السلام الرؤيا توفيته حقها من العمل وبذل وسعه في إيقاعها وذلك بالعزم والإتيان بالمقدمات ولا يلزم فيه وقوع ما رآه بعينه، وقيل هو إيقاع تأويلها وتأويلها ما وقع، ويفهم من كلام الإمام أنه الاعتراف بوجوب العمل بها، ولا يدل على الإتيان بكل ما رآه في المنام، وهل أمر عليه السلام الشفرة على حلقه أم لا قولان ذهب إلى الثاني منهما كثير من الأجلة، وقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس أنه عليه السلام لما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه نودي من خلفه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، وأخرج هو. وابن جرير. وابن أبي حاتم. والطبراني. وابن مردويه. والبيهقي في شعب الإيمان عنه أنه عالج قميصه ليخلعه فنودي بذلك.
وأخرج ابن المنذر. والحاكم وصححه من طريق مجاهد عنه أيضًا فلما أدخل يده ليذبحه فلم يحمل المدية حتى نودي أن يا أبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده، وأخرج عبد بن حميد. وغيره عن مجاهد فلما أدخل يده ليذبحه نودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده ورفع رأسه فرأى الكبش ينحط إليه حتى وقع عليه فذبحه، وفي رواية أخرى عنه أخرجها عبد بن حميد أيضًا. وابن المنذر أنه أمر السكين فانقلبت، وإلى عدم الإمرار ذهبت اليهود أيضًا لما في توراتهم مد إبراهيم يده فأخذ السكين فقال له ملاك الله من السماء قائلًا: يا إبراهيم يا إبراهيم قال: لبيك قال: لا تمد يدك إلى الغلام ولا تصنع به شيئًا، وذهب إلى الأول طائفة فمنهم من قال: أنه أمرها ولم تقطع مع عدم المانع لأن القطع بخلق الله تعالى فيها أو عندها عادة وقد لا يخلق سبحانه، ومنهم من قال: أنه أمرها ولم تقطع مع عدم المانع لأن القطع بخلق الله تعالى فيها أو عندها عادة وقد لا يخلق سبحانه، ومنهم من قال: أنه أمرها ولم تقطع لمانع، فقد أخرج سعيد بن منصور. وابن المنذر عن عطاء بن يسار أنه عليه السلام قام إليه بالشفرة فبرك عليه فجعل الله تعالى ما بين لبته إلى منحره نحاسًا لا تؤثر فيه الشفرة، وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن السدي أنه عليه السلام جر السكين على حلقه فلم ينحر وضرب الله تعالى على حلقه صفيحة من نحاس، وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن فضيل بن عياض قال: أضجعه ووضع الشفرة فقلبها جبريل عليه السلام، وأخرج الحاكم بسند فيه الواقدي عن عطاء أنه نحر في حلقه فإذا هو قد نحر في نحاس فشحذ الشفرة مرتين أو ثلاثًا بالحجر، وضعف جميع ذلك.
وقيل إنه عليه السلام ذبح لكن كان كلما قطع موضعًا من الحق أوصله الله تعالى، وزعموا ورود ذلك في بعض الأخبار ولا يكاد يصح، وسيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى ما يتعلق بهذا المقام من الكلام، وجواب لما محذوف مقدر بعد {قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا} أي كان ما كان مما تنطق به الحال ولا يحيط به المقال من استبشارهما وشكرهما الله تعالى على ما أنعم عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق لما لم يوفق غيرهما لمثله وإظهار فضلهما مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك؛ وهو أولى من تقدير فإذا ونحوه، وقدره بعض البصريين بعد {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] أي أجز لنا أجرهما، وعن الخليل. وسيبويه تقديره قبل {وَتَلَّهُ} قال في البحر: والتقدير فلما أسلما أسلما وتله، وقال ابن عطية: وهو عندهم كقول امرئ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى

أي أجزنا وانتحى، وهو كما ترى، وقال الكوفيون: الجواب مثبت وهو {وناديناه} على زيادة الواو، وقالت فرقة: هو و{تله} على زيادتها أيضًا، ولعل الأولى ما تقدم.
وقوله تعالى: {العالمين إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} ابتداء كلام غير داخل في النداء وهو تعليل لإفراج تلك الشدة المفهوم من الجواب المقدر أو من الجواب المذكور أعني نادينا إلخ على القول بأنه الجواب أو منه وإن لم يكن الجواب والعلة في المعنى إحسانهما، وكونه تعليلًا لما انطوى عليه الجواب من الشكر ليس بشيء.

.تفسير الآية رقم (106):

{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)}
{إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين} أي الابتلاء والاختبار البين الذي يتميز فيه المخلص من غيره أو المحنة البينة وهي المحنة الظاهرة صعوبتها وما وقع لا شيء أصعب منه ولا تكاد تخفى صعوبته على أحد ولله عز وجل أن يبتلي من شاء بما شاء وهو سبحانه الحكيم الفعال لما يريد. ولعل هذه الجملة لبيان كونهما من المحسنين، وقيل لبيان حكمة ما نالهما، وعلى التقديرين هي مستأنفة استئنافًا بيانيًا فليتدبر.

.تفسير الآية رقم (107):

{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)}
{وفديناه بِذِبْحٍ} بحيوان يذبح بدله {عظِيمٌ} قيل أي عظيم الجثة سمين وهو كبش أبيض أقرن أعين وفي رواية أملح بدل أبيض، وعن الحسن أنه وعل أهبط عن ثبير، والجمهور على الأول ووافقهم الحسن في رواية رواها عنه ابن أبي حاتم وفيها أن اسمه حرير، واليهود على أنه كبش أيضًا. وفسر المعظم العظيم بعظيم القدر وذلك على ما روي عن ابن عباس لأنه الكبش الذي قربه هابيل فتقبل منه وبقي يرعى في الجنة إلى يوم هذا الفداء، وفي رواية عنه وعن ابن جبير أنهما قالا: عظمه كونه من كباش الجنة رعى فيها أربعين خريفًا.
وقال مجاهد وصف بالعظم لأنه متقبل يقينًا، وقال الحسن بن الفضل: لأنه كان من عند الله عز وجل، وقال أبو بكر الوراق: لأنه لم يكن عن نسل بل عن التكوين؛ وقال عمرو بن عبيد: لأنه جرت السنة به وصار دينًا باقيًا آخر الدهر، وقيل لأنه فدى به نبي وابن نبي، وهبوطه من ثبير كما قال الحسن في الوعل وجاء ذلك في رواية عن ابن عباس.
وفي رواية عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه وجده عليه السلام قد ربط بسمرة في أصل ثبير. وعن عطاء بن السائب أنه قال: كنت قاعدًا بالمنحر فحدثني قرشي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إن الكبش نزل على إبراهيم في هذا المكان. وفي رواية عن ابن عباس أنه خرج عليه كبش من الجنة قد رعى فيها أربعين خريفًا فأرسل إبراهيم عليه السلام ابنه واتبعه فرماه بسبع حصيات وأحرجه عند الجمرة الأولى فأفلت ورماه بسبع حصيات وأحرجه عند الجمرة الوسطى فأفلت ورماه بسبع حصيات وأحرجه عند الجمرة الكبرى فأتى به المنحر من منى فذبح قيل وهذا أصل سنية رمي الجمار، والمشهور أن أصل السنية رمي الشيطان هناك ففي خبر عن قتادة أن الشيطان أراد أن يصيب حاجته من إبراهيم وابنه يوم أمر بذبحه فتمثل بصديق له فأراد أن يصده عن ذلك فلم يتمكن فتعرض لابنه فلم يتمكن فأتى الجمرة فانتفخ حتى سد الوادي ومع إبراهيم ملك فقال له: ارم يا إبراهيم فرمى بسبع حصيات يكبر في أثر كل حصاة فافرج له عن الطريق ثم انطلق حتى أتى الجمرة الثانية فسد الوادي أيضًا فقال الملك: ارم يا إبراهيم فرمى كما في الأولى وهكذا في الثالثة، وظاهر الآية أن الفداء كان بحيوان واحد وهو المعروف. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس أنه فدى بكبشين أملحين أقرنين أعينين ولا أعرف له صحة، ويراد بالذبح عليه لو صح الجنس، والفادي على الحقيقة إبراهيم عليه السلام، وقال سبحانه: {فديناه} على التجوز في الفداء أي أمرنا أو أعطينا أو في إسناده إليه تعالى، وجوز أن يكون هناك استعارة مكنية أيضًا، وفائدة العدول عن الأصل التعظيم.

.تفسير الآيات (108- 109):

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109)}
{الباقين وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاخرين سلام على إبراهيم} سبق ما يعلم منه بيانه عند تفسير نظيره في آخر قصة نوح، ولعل ذكر {في العالمين} [الصافات: 79] هناك وعدم ذكره هنا لما أن لنوح عليه السلام من الشهرة لكونه كآدم ثان للبشر ونجاة من نجا من أهل الطوفان ببركته ما ليس لإبراهيم عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (110):

{كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)}
{كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} ذلك إشارة إلى إبقاء ذكره الجميل فيما بين الأمم لا إلى ما يشير إليه فيما سبق فلا تكرار وطرح هنا {أَنَاْ} قيل مبالغة في دفع توهم اتحاده مع ما سبق كيف وقد سيق الأول تعليلًا لجزاء إبراهيم وابنه عليهما السلام بما أشير إليه قبل وسيق هذا تعليلًا لجزاء إبراهيم وحده بما تضمنه قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ} إلخ وما ألطف الحذف هنا اقتصارًا حيث كان فيما قبله ما يشبه ذلك من عدم ذكر الابن والاقتصار على إبراهيم.
وقيل لعل ذلك اكتفاءً بذكر {أَنَاْ} مرة في هذه القصة، وقال بعض الأجلة: إنه للإشارة إلى أن قصة إبراهيم عليه السلام لم تتم فإن ما بعد من قوله تعالى: {وبشرناه بإسحاق} [الصافات: 112] إلخ من تكملة ما يتعلق به عليه السلام بخلاف سائر القصص التي جعل {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} [الصافات: 80، 105] مقطعًا لها فإن ما بعد ليس مما يتعلق بما قبل ومع هذا لم تخل القصة من مثل تلك الجملة بجميع كلماتها وسلك فيها هذا المسلك اعتناءً بها فتأمل وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (111):

{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)}
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} الكلام فيه كما تقدم.